كانت العلاقة بسيطة. رجل يحب امرأة، وامرأة تحب رجلًا، لا هو نبيٌّ مرسل من السماء ولا هي آلهة تتربع على عرش الجمال، ف كائنان من لحم ودم، بينهما مشاوير وعَرق وهموم وخوف من الغد وربما جدران مدهونة بلون تافه لا أحد يهتم بتغييره. أعتقد أنه كما تقول الأساطير القديمة فقد كان الزواج، يومًا ما، مشروع حياة بين اثنين يحبون بعضهم ويتعايشون مع بعضهم، يحملون همومهم بعضهم، حتى وإن كانو لا يملكون إلا ثلاجة لا تجيد التبريد وزوجين من الكراسي وسرير صغير يقتسمان عليه أحلى لحظات الحب. لكن يبدو أن البساطة قد ماتت مقتولة، أفرغت المبالغة فى رأسها عشرة طلقات نارية ثم خنقتها الفلاتر حتى تهشمت عظام عنقها ليدفنها بعد ذلك التيك توك، ويتبول على قبرها إنستجرام، لتنهض بعد ذلك من الرماد العطن المصنن كمفهوم مشوه حول الأنثى، رويدًا رويدًا، إلى شيء آخر تمامًا… إلى إلهة. لكن ليست كإلهة يبنى لها المعابد، بل كإلهة تُعبد على الشاشة، كرمز مقدس تخشع له القلوب، وتُقدّم له القرابين، وتسجد تحت قدميه الرغبة قبل أن تفتح المحفظة
إننا نعيش اليوم في عصر تُقدّس فيه المرأة – أو بالأحرى يقدس جسدها – بطريقة ما أنزل الله بها من سلطان و ليس تقديسًا عاقلاً معقولًا يقدر الجمال الإنساني ويرى في الأنثى نصف الحياة كما هي، بل تقديس هرموني، مرئي، إدماني، قائم على زاوية التصوير وحجم الشفاه والنهود والأفخاذ ولون الشعر وعدد المتابعين . إن الرجل المعاصر، وبالأخص فئة عمرية معينة، أصبح لا ينظر للمرأة باعتبارها شريكة في الحياة، بل ككائن خرافي من أساطير ما قبل الميلاد . يشاهدها كتمثال فني ثمين، يراها ويشعر داخليًا بأنه أحقر من أن يستحقها، فيُسلم نفسه لعبادتها باسم "الإعجاب" و"الحب"، ثم يرضى بأن يعيش حياته على الهامش، بين "لايك" على صورة و"كومنت" تحت ريلز.
ومن رحم هذا الشعور الدوني، وُلد كائن جديد… لا هو أنثى ولا هو ذكر كامل، بل شيء هجين يُدعى بـ"السيمب"، هو لا يحب المرأة حقًا، بل يعشق عبوديتها له. يمارس الخضوع بنشوة، ويستلذ بالإهانة إن جاءت من شفاه مطلية بليب جلوس لامع، ويكاد يكتب لنفسه في بطاقة الهوية: "خاضع بإرادتي الحرة لكعب حذاءها الأحمر". هذا الكائن الحقير لا يرى المرأة، بل يرى الصورة التي قرر أن تكونها، لا يراها إنسانة تخطئ وتضعف وتغضب وتقول كلامًا غبيًا أحيانًا مثلنا جميعًا، بل يراها روحًا سماوية لا يجوز الاعتراض عليها. فيعبدها، ويظل يتعبد، حتى إذا تزوجها… كفر بها، لأنه اكتشف فجأة أنها بشر..!
لكن قبل أن يصل لمرحلة الزواج – التي صارت حلمًا فانتازيًا الآن– لا بد أن يمر بكاهن المذبح ، لأن القربان المقدس أو الشيء الذى كان يسمى المهر، لم يعد مجرد مبلغ مقدور لبدء حياة جديدة، بل أصبح تسعيرة للدخول إلى عالم الآلهة!. فكلما زادت سماكة النهود والفخود والشفاه وتموجت الانحناءات وتفتحت الألوان وتصبغت الشعور، ارتفع القربان، وكلما زادت عدد المتعبدين والمتذللين، زاد التعجيز، وكلما زاد الخشوع والابتهال زادت ثقة الإلهة حتى ودت لو تسمو عن تلك المنزلة!،
الشاب العادي، عمر(أنا) – مثلًا – لا يطلب الكثير، يريد فقط أن يتزوج بنت الجيران، لكنه يكتشف سريعًا أن بنت الجيران لم تعد تُقاس بصفاتها ولا بأخلاقها، بل بتسعيرة السوق، وأن الدخول إلى حياتها يشترط حتمًا أن تكون رائد فضاء، أو على الأقل تمتلك القدرة على بيع كلية دون أن تتأثر بفقر الدم.
فيذهب عمر(انا) – بعد رفض الطلب – إلى السوشيال ميديا ليقنع نفسه أنه لا يريد الزواج، ويكتب: "أنا مش بتاع جواز، أنا بتاع طموح". بينما في الحقيقة هو بتاع قهر، قهر دفين لا يجد له مخرجًا إلا بين منشور وآخر يفتش فيه عن فتاة أقل طلبًا، أقل ارتفاعًا، أقل إلوهية!. لكن الحقيقة أن السوق كله مصاب بنفس الفيروس: جسد مقدس، مهر مقدس، خضوع مقدس، ورجولة تُسحق بين الفخاد السميكة
المشكلة أن المرأة – حين تُقدّس جسديًا فقط – تخسر كثيرًا أكثر مما تربح. لأنها لم تعد تُحترم ككل الكائنات ، بل تُقطّع كأجزاء كالذبيحة. يُثنى على صدرها، يُعبد خصرها، تُمدح قدماها فى قصيدة. ( أجل أنا أتحدث عنك يا نزار يا قباني) لكن أين عقلها؟ أين أفكارها؟ أين شخصيتها؟ ذابت كلها في الماكياج والإضاءة، في الفلتر والإيموجي وتحت الشعور بالثقة التى تستمدها من النظرات ورسائل الأزر. وعندما تتحول إلى كائن منزّه هكذا عن النقد، لا يكاد يُحتمل لها أي زلة!، فيُصاب زوجها لاحقًا بصدمة نفسية حين يكتشف أنها لامؤاخذة بتشخ مثلنا فى الحمّام، وتُصاب بالغضب، وتطلب طعامًا في منتصف الليل، وتتحدث بصوت عالٍ في بعض الأحيان بل وتشخر كخنزير معلوف.
ومع هذا التقديس، تحولت المرأة إلى شيء "معروض"، لا يُطلب منها أن تكون زوجة، بل يطلب منها أن تُعرض. لتُشترى. وبينما تتفاخر بعض الأسر بعدد العرسان المتقدمين للبنت، لا أحد يسأل عن منسوب الإنسانية في المعادلة وكيف أن الزواج لم يعد شراكة، بل سباق. مهر أعلى، شبكة أغلى، فستان أطول، حذاء ألمع، وصورة في قاعة أفراح تكفي لسد ديون مصر منذ الجلاء البريطاني
وصدقونى إن الرجل الذي يعبد امرأة لن يستطيع أن يعيش معها. لأنه لا يعيش مع شريكة، بل مع كابوس مُقدس صنعه بنفسه. والمرأة التي تُعامل كإلهة لن تقبل برجل طبيعي أبدًا، بل برجل يتلو صلوات كل صباح تحت قدميها بينما يلعق من حين لآخر. ومن هنا اختفى الزواج. لم يعد صعبًا فقط، بل صار مستحيلًا، لأنه لم يعد بين اثنين يحكمهما العدل، بل بين عبد وآلهة، والآلهو لا تتزوج عبيدها، بل تلهو بهم حتى تملّ.
انظروا يا سادة، إننا لا نحتاج أن نحطم المرأة لنرفع الرجل، ولا أن نحطم الرجل لنرفع المرأة. نحتاج فقط أن نتذكّر أن المرأة بشر، و أن الرجل بشر، وأن الجواز مش صفقة اقتصادية ولا معركة طبقية ولا عبادة دينية، بل حياة. المهر مش رشوة، والشبكة مش تعويض عن ثمن الجمال، والجمال مش دين أم تأشيرة للدخول إلى عالم الآلهة.
نحتاج أن نكفّ عن تقديس الجسد، ونعيد الاحترام للعقل، أن نكف عن قول "هي مش لأي حد" وكأنها قطعة أثرية من عهد الأسرات، ونقول: " أنها إنسانة تستحق شريكًا يقدّرها… لا كلب يركع لها."!
الحب لا يحتاج لفلتر، ولا لفستان مستورد، ولا لكومنتات إعجاب. الحب يحتاج لرجل لا يركع، وامرأة لا تتكبّر. يحتاج لشقة صغيرة تقدر على شرائها وقلب كبير يمكنك العطف به، الحب يحتاج لاحتياج صادق للحب وليس للتفاخر.
نحتاج أن نكف عن تحويل الزواج إلى برنامج مسابقات واقعية، وأن نسمح للبشر أن يحبوا بعضهم دون إذلال، أن يتزوجوا دون إفلاس، وأن يعيشوا كرامة بسيطة، بدلًا من أوهام فاخرة.
فيا أيها السيمب
ويا أيتها الإلهة المزيفة
أنا عارفكم وهفضحكم يا ولاد الوسخة!
عارفكم وأريدكم أن تتذكروا قبل أن أخنقكم أن الزواج لا يُبنى على الركوع، بل على الوقوف جنبًا إلى جنب بعدل..!
أحب كيف يُثار حماسي في كل مقال تكتبه تقريباً ، لأن طرحك -الساخر والهادف-بنفس الوقت يوصل الفكرة بشكل غير رتيب وإعتيادي، أما موضوع المقال بحد ذاته رائع، والمشكلة هذي (سالفة المهور وعبّاد المظاهر) أحد أسباب العداوة والتنافس المستمر في الفترة الأخيرة بين الذكور والإناث عامة بمختلف القضايا .
فصاروا بدل ان يكونوا مخلوقين طبيعيين مثل ما أوجدهم ربي لحتى يعمرون الأرض، إلى حربٍ بين إثبات من الظالم ومن المظلوم.
المقال يحمل رسالة هادفة وواضحة، وتشكر عليه. لكن ودي أعلّق على نقطة لغوية وفكرية كانت بارزة فيه، وهي استخدام مفردات مثل “الألوهية، العبادة، القرابين” في سياق بشري أو مجازي.
صحيح أن اللغة الأدبية تحتمل المجاز، لكن لما تُستخدم كلمات مرتبطة بمقام ديني عالٍ، زي الألوهية أو العبادة، خاصة في بيئة ثقافية تعتبر هذه الألفاظ مقدسة، ممكن يخلق اللبس أو يُفهم بطريقة غير مقصودة.
القرّاء قد يختلفون في استقبالهم للغة المجاز، وبعضهم ممكن يشوفها تجاوزًا للحدود الرمزية، خاصة لما تُستخدم لتوصيف بشر، أو فكرة، أو حتى مشاعر. وهذا ما يقلل من جودة المقال، بل من قوته لو أُعيدت صياغته بمفردات عميقة، لكن أنسب دلاليًا وسياقيًا.
اقتراحي البسيط: لو تم استبدال هذه الألفاظ بأخرى تعبّر عن نفس الشعور أو الرمز لكن بدون الدخول في مفاهيم العبادات، بيكون النص أكثر احترامًا للحس الديني، وأكثر توازنًا لغويًا، وممكن حتى يوصل فكرته بشكل أقوى لأن ما راح يشوّش القارئ أو يفتح باب التأويل المبالغ فيه.
النية الطيبة واضحة، لكن المفردة مهمّة، لأنها قد تغيّر استقبال النص كليًا